سياسة

محفوظ: ’’طوفان الأقصى‘‘ والحل الذي يرسمه مجلس الأمن وبايدن

أبعاد ’طوفان الأقصى‘‘ والحرب الاسرائيلية على غزة تتجاوز ما تريده ’’حماس‘‘ و’’اسرائيل‘‘ في آن معا. فلا حسابات نتنياهو في ’’تغيير خريطة الشرق الأوسط‘‘ تجد مكانا لها في الحرب ولا ’’تغيير خريطة اسرائيل‘‘ في حسابات وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان واردة في مدى زمني منظور.
لا شك أن ’’طوفان الأقصى‘‘ فاجأ ’’التيار الديني المتطرف الإسرائيلي‘‘ الذي يدعم الإستيطان وقيام الدولة اليهودية كما فاجأ العلمانيين الإسرائيليين الذين يعترضون ’’دولة يهودية خالصة‘‘. كما أن عملية ’’طوفان الأقصى‘‘ هزت صورة الجيش الاسرائيلي الذي ’’لا يُقهر‘‘ وأسقطت الرهانات الإسرائيلية باستبعاد ’’حماس‘‘ عن المواجهات سواء مع ’’الجهاد الاسلامي‘‘ أو في الضفة الغربية. من هنا نحن ازاء وضع معقد ومركب. فالحكومة الاسرائيلية الحالية تعبّر عن ’’وحدة وطنية اسرائيلية‘‘ مفتعلة وغير واقعية بين ’’التطرف الديني‘‘ والعلمانيين. وهذه ’’الوحدة‘‘ مهيأة للإنفجار في أي لحظة عندما تستقر الأمور وتهدأ جبهات الحرب.
أيضا ’’الصورة الفلسطينية‘‘ ستكون متغيرة. فالضغوط الدولية التي مورست على الرئيس الفلسطيني محمود عباس تُضعف موقفه وتستتبع مستقبلا دورا لقيادات فتحاوية تكون في الواجهة وتدير تفاوضا ليست بعيدة عنه حركة حماس.
واقع الأمر الغرب الأميركي والأوروبي مع السياسات الابراهيمية التي ترمي إلى التطبيع بين اسرائيل والدول العربية. ومن هنا كانت الإعتراضات الغربية غلى سياسات اليمين الديني الاسرائيلي في استهداف المدنيين الفلسطينيين وفي الإجتياحات المتكررة للمسجد الأقصى من المستوطنين وفي الاعتداءات على القرى والبلدات الفلسطينية المجاورة للمستوطنات. وهذه الممارسات الإسرائيلية ارتكزت إليها حركة حماس في عملية ’’طوفان الأقصى‘‘ والوصل الفعلي بين غزة والضفة الغربية ما أدّى إلى انحياز أميركي وأوروبي واضح إلى جانب اسرائيل وإلى تبرير القصف الاسرائيلي الوحشي على غزة وإلى التلويح بمشاركة عسكرية غربية في حال تحققت ’’وحدة الساخات‘‘ ومشاركة حزب الله من لبنان.
التزام حزب الله بقواعد الإشتباك أربك الحسابات الاسرائيلية. فكل الإتصالات الغربية لمعرفة ماذا يُخبئ الحزب من سيناريوهات بقيت من دون جواب سوى التلميح إلى ’’خطوط حمر‘‘ فهمها الغرب بأن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي في حال الإنتقال الإسرائيلي إلى مرحلة الحرب البرية على غزة. و’’الإختبارات‘‘ التي قام بها الجيش الاسرائيلي على الحدود اللبنانية كشفت إلى حدود بعيدة أن حزب الله مستعد لكل الإحتمالات وهو بالتأكيد لن يترك ’’حماس‘‘ وحيدة في المواجهة. ولعل ’’صمت‘‘ الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله رفع من نسبة الغموض وهو صمت فيه الكثير من الحكمة التي تأخذ في الاعتبار المزاوجة بين اعتبار الإلتزام بالقضية الفلسطينية وبأولوية الصراع العربي الإسرائيلي وبين ضرورات ’’الداخل اللبناني‘‘ وحماية المدنيين.
واقع الأمر ’’طوفان الأقصى‘‘ كشف حاجة اسرائيل إلى الدعم الأميركي والغرب ما يجعل الحكومة الاسرائيلية ومعها نتنياهو أكثر استجابة للمطالب الأميركية. فواشنطن لا تذهب في حساباتها إلى نظرية نتنياهو حول تغيير خريطة الشرق الأوسط ولا إلى سياسات إبادة سكان غزة. ذلك أنها مع بقاء اسرائيل في حدود جغرافية معينة وليس امبراطورية اسرائيلية مهيمنة في الشرق الأوسط. فواشنطن وإن كانت تدعم فكرة اسرائيل وجوديا غير أنها بحاجة للإحتفاظ بصداقاتها مع مصر والأردن والدول الخليجية والمغرب وتونس كما أنها لا يمكن أن تستفز إلى حدود بعيدة العالم الإسلامي غير العربي. وهكذا تستجيب واشنطن لفكرة الهدنة الإنسانية والممرات الآمنة وتخفيف ضغوط الحصار على غزة وايجاد مخارج سريعة للأجانب من أميركيين وأوروبيين وغيرهم ممن أسرتهم حماس في عملية ’’طوفان الأقصى‘‘.
ما تحاول جديا الإدارة الأميركية القيام به هو أن لا تقع حرب اقليمية وأن لا يشتعل الشرق الأوسط خصوصا وأن مصر والأردن تعترضان على ترحيل الفلسطينيين وتربطان ذلك بمسألة الأمن القومي وبتصفية القضية الفلسطينية واعتبار أن ما يجري ينبغي أن يندرج في سياق ايجاد تسوية تحقق الدولتين: دولة اسرائيل والدولة الفلسطينية. ومثل هذا الخيار أشار إليه الناطق الرسمي لحركة حماس حازم قاسم عندما تكلم صراحة عن أن الهدف هو إقامة الدولة الفلسطينية.
ان كثافة الديبلوماسية الدولية من أميركية وروسية وأوروبية وخليجية – مصرية والتي سبقت مجيء الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اسرائيل. إن هذه الكثافة تكشف بوضوح إلى أن هناك تهيئة أممية لفرض آلية من مجلس الأمن باتجاه تهدئة الأمور لاحقا. والأرجح أن التهدئة تحتاج إلى وقت وإلى تسليم الطرفين اسرائيل وحماس بتنازلات متبادلة. وإلى أن يتم ذلك تحصل المآسي والمفاجآت التي تسبق استقرار الوضع مع احتمالات غياب زعامات سياسية بارزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى